الخميس، 22 مايو 2014

وتعتبر فترة حكم هيرودوس في ظل الإمبراطورية الرومانية ما يمكن تسميته بأول استقلال ذاتي للبلاد التي حكمها والتي شملت بالإضافة إلى فلسطين، شرق الأردن وجنوب سوريا، ويذكر أن التمثال الوحيد الذي وجد له كان في جنوب سوريا.
وأيضا ً اعتبر حكمه نوعا ً من الحكم العلماني بمفاهيم هذا العصر، ففي فترة حكمه منع تطبيق الشرائع اليهودية في المسائل المدنية وحصرها في القضايا الدينية، وطبق القوانين الرومانية على رعاياه واختار معاونيه من الادوميين والفينيقيين والمصريين.

وتعود علاقة هيرودوس الكبير مع الرومان إلى تعاون والده انتيباتر معهم عند وصولهم إلى بلاد الشام في عام 63 قبل الميلاد، ونظرا ً لخدماته التي قدمها للرومان عين حاكما ً على فلسطين. وبعد مقتل يوليوس قيصر على سلم مجلس الشيوخ، إثر محاولته الفاشلة لجعل حكم الإمبراطورية وراثيا ً من بعده، دبت الفوضى في أنحاء الإمبراطورية، وحاولت عدة أقاليم الاستقلال عن
الإمبراطورية الرومانية، وقدم إلى الشرق القائد الفذ مارك انتوني الذي خاض طيلة ثلاث سنوات حروبا ً ضد المتمردين، حتى عاد الاستقرار وعين هيرودوس الذي دعم ووالده انتيباتر مارك انتوني في حروبه، حاكما ً على فلسطين بعد موت والده. ومن المعروف عمق العلاقة التي ربطت بين الرجلين: هيرودوس العسقلاني الادومي، ومارك انتوني الروماني،

وبسبب هذه العلاقة على الأرجح غض هيرودس النظرة عن خطة وضعها للتخلص من ملكة مصر كليوباترا، زوجة انتوني، التي كان يكرهها كثيرا ً ، وكانت كليوباترا تزور فلسطين لوجود مزارع لها في مدية أريحا، وهي مدينة أعاد هيرودوس بناءها مثل مدن فلسطينية أخرى كسبسطية وقيسارية وغيرها. ولا يعرف سبب كرهه لكليوباترا، ولكن ربما أحس بأنها كانت بشكل أو بآخر تحول بينه وبين صديقة انتوني، وفي أريحا التي اتخذها مشتى له مات هيرودوس جاعلا الناس منشغلين به حتى اليوم.

وبني قصر هيروديون على تلة اصطناعية، ويطلق عليه السكان المحليون (جبل الفريديس) وله تسميه أخرى هي (جبل الإفرنج)، وهو مخروطي الشكل قطره 290 قدما ً ، ويمكن منه رؤية مواقع في القدس وغور الأردن وجبال مؤاب الأردنية والبحر
الميت ومناطق مختلفة من بيت لحم والمدن والقرى المجاورة لها بالإضافة إلى قرى وخرب عرب التعامرة.ويوجد به بقايا غرف وحمامات وأبراج مراقبة، عملت سلطات الاحتلال على إغلاقها وكان الصليبيون في القرون الوسطى حولوا هذا القصر إلى قلعة حصينة وحولوا قسم منه إلى كنيسة.

وتوجد على الموقع حراسة إسرائيلية تنظم دخول الزائرين إلى الموقع، وأيضا كما أشرنا معسكرا ً للجيش، لأغراض تتعلق بالسيطرة الاحتلالية على تلك المنطقة ومناطق أخرى ولحماية
المستوطنات التي زرعوها في تلك المنطقة ومنها ما هو ملاصق للقصر مثل مستوطنة تدعى (آل ديفيد) يسكنها مهاجرون يهود من روسيا، وبين الوقت والآخر يصادر المستوطنون مزيدا ً من الأرض ووضع بنايات جاهزة تسيطر على آلاف الدونمات الممتدة في البرية حتى البحر الميت، وما زال الصراع على الأراضي القريبة من قصر هيرودوس مستمرا ً وقائما ً بين السكان المحليين الذي لا يملكون غير أوراق ثبوتية وإيمان بالنصر وبين قوة الحديد والنار.وفي أغلب المرات كان منطق القوة يحقق نجاحات وتقام على الأراضي المصادرة بنايات تناقض تماماًالإرث المعماري الموروث والذي يقف قصر هيرودوس شاهداًعليه.

هناك أماكن أثرية عدة بالقرب من هذا القصر مثل مغارة خريطون الكبيرة والضخمة والتي تقع في وادي يحمل اسم خريطون وعثر في كهوف في تلك المنطقة على آثار موغلة في القدم، اعتبرها الباحثون أنها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. وأيضا ً هناك كثير من الخرب الأثرية المهملة والتي تعرضت للتنقيب على أيدي لصوص الآثار وعلى أيدي المحتلين أيضا ً ، ووجدت بها آثار رومانية وإسلامية وعربية. ويوجه المهتمون بالآثار انتقادات واتهامات عديدة للسلطات الإسرائيلية لإهمالها قصر هيروديون لأسباب تتعلق بالإيديولوجية، وبعلم الآثار الإسرائيلي المعتمد على الكتاب المقدس، ويمكن أن يلاحظ الزائر للقصر الإهمال من حيث عدم الترميم وإغلاق أجزاء هامة منه مثل الحمامات الفريدة الساخنة والباردة والتي حيرت الباحثين في كيفية إيصال المياه إليها من الأسفل وهي تقع على مرتفع.

ويقول هؤلاء لو أن القصر يتعلق بأي إرث لها علاقة بالعهد القديم
لاختلف الأمر. ويقارن هؤلاء بين ما يتعرض له قصر هيروديو من إهمال وحصار وبين مدينة استيطانية أقيمت ليس بعيدا ً عنه قرب ما تقول المصادر الإسرائيلية إنه المكان الذي شهد خطوات (عاموس) وهو أحد أنبياء العهد القديم. والمستوطنة هي تكواع المقامة على أراضي قرية تقوع الفلسطينية، ومن أجل توسيعها هدمت معظم منازل قرية (كيسان) الفلسطينية وهدمت قرية كاملة
تابعة لعرب الرشايدة الذين تمتد أراضيهم حتى البحر الميت وعادوا ليسكنوا في المغر والكهوف، وتحولت أجزاء واسعة من هذه المنطقة إلى مناطق تدريب عسكرية لجيش الاحتلال وكثيرا ً ما تؤدي مخلفات هذه التدريبات إلى سقوط قتلى وجرحى يعيشون بإعاقات دائمة يمكن رؤية كثير منهم في تلك المنطقة.
والاستيطان مستمر بشكل محموم، ومن البؤر الاستيطانية الحديثة ما وقف خلفها المتطرف ليبرمان الوزير السابق في حكومة شارون ورفيق درب رحبعام زئيفي، وزير السياحة الإسرائيلي الذي اغتيل على يد فلسطينيين.

ولم تحل فضائح مالية تلاحق ليبرمان من تصميمه على الاستيلاء على أرض في تلك المنطقة ووضع بؤرة استيطانية حملت اسم رفيقه الراحل (رحبعام زئيفي). وتقع المنطقة على مخزون مائي كبير واحتياطي وافر من المياه الجوفية، وهذا أحد أسباب سيطرة حكومة الاحتلال على المنطقة وبناء المستوطنات وتوسيعها فيها، وشق الشوارع العريضة لربطها بمستوطنات في الخليل والقدس، وإحداث تغيير مفصلي في جغرافية المنطقة، واستحداث جغرافية استيطانية جديدة تقوم على التطهير العرقي ضد السكان المحليين،

وتستعين من أجل ذلك بخلق واقع (توراتي) جديد في المنطقة وتحديد أماكن تزعم أنه ولد فيها أو رعى أو لعب أو مر أو مات بها أنبياء أو زوجات أو أبناء أنبياء بني إسرائيل: أبطال العهد القديم القساة. وهو ما يعتبره الفلسطينيون بأنه إحدى أبشع جرائم العصور البشرية، والمستمرة حتى الآن وفي السياسة يتم اختصار كل ذلك بوصفه (تغييرا ً للوضع القائم)، وهو أكبر ، بأهدافه ووسائله وحجمه، من ذلك بكثير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق